فصل: قال الفراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في معاني السورة كاملة:

.قال المراغي:

سورة عبس:
{عبس}: أي قطب وجهه من ضيق الصدر، {وتولى}: أي أعرض، {أن جاءه الأعمى}: أي لأجل أن جاءه، {وما يدريك}: أي أىّ شيء يعرّفك حال هذا الأعمى؟
{يزكى} أي يتطهر بما يلقن من الشرائع، {يذكر}: أي يتعظ، {استغنى}: أي بماله وقوته عن سماع القرآن، {تصدى}: أي تتصدى وتتعرض بالإقبال عليه، يسعى أي يسرع، {يخشى}: أي يخاف من الغواية، {تلهى}: أي تتلهى وتتغافل.
{كلا}: كلمة يقصد بها زجر المخاطب عن الأمر الذي يعاتب عليه، لئلا يعاوده، وهنا هو التصدي للمستغنى والتلهي عن المستهدى، {تذكرة}: أي موعظة، {ذكره}:
أي اتعظ به، {في صحف مكرمة}: أي مودعة في صحف شريفة، {مرفوعة}: أي عالية القدر، {مطهرة}: أي من النقص لا تشوبها الضلالات، {سفرة}: واحدهم سافر، من سفر بين القوم إذا نصب نفسه وسيطا ليصلح من أمورهم ما فسد.
قال شاعرهم:
فما أدع السفارة بين قومي ** ولا أمشى بغشّ إن مشيت

والمراد هنا الملائكة والأنبياء، لأنهم وسائط بين اللّه وخلقه في البيان عما يريد، {كرام}: واحدهم كريم، {بررة}: واحدهم بارّ، والمراد أنهم كرام على اللّه، أطهار لا يقارفون ذنبا.
{قدره}: أي أنشأه في أطوار وأحوال مختلفة، طورا بعد طور، وحالا بعد حال، و{السبيل}: الطريق، {يسره}: أي سهل له سلوك سبل الخير والشر، {فأقبره}: أي جعل له قبرا يوارى فيه، {أنشره}: أي بعثه بعد الموت، {كلا}: زجر له عن ترفعه وتكبره.
القضب: الرطبة، وهى ما يؤكل من النبات غضا طريا وسمى قضبا لأنه يقضب أي يقطع مرة بعد أخرى، {غلبا}: واحدها غلباء أي ضخمة عظيمة، والأبّ: المرعى لأنه يؤب: أي يؤم وينتجع، {متاعا لكم ولأنعامكم}: أي أنبتناه لكم لتتمتعوا به وتننفعوا وتنتفع أنعامكم.
الصخّ: الضرب بالحديد على الحديد، وبالعصا الصّلبة على شيء مصمت، فيسمع إذ ذاك صوت شديد والمراد هنا بـ: {الصاخة} هو المراد بالقارعة في سورتها، وهى الطامة الكبرى، ويكون نذيرها ذلك الصوت الهائل الذي يحدث من تخريب الكون ووقع بعض أجرامه على بعض، ومن ثمّ سميت صاخة وقارعة، شأن: أي شغل، يغنيه: أي يصرفه ويصده عن مساعدة ذوي قرابته، قال شاعرهم:
سيغنيك حرب بنى مالك ** عن الفحش والجهل في المحفل

{مسفرة}: أي مضيئة مشرقة يقال: أسفر الصبح إذا أضاء، {مستبشرة}: أي فرحة بما نالت، والغبرة: ما يصيب الإنسان من الغبار، {ترهقها}: أي تغشاها، والقترة: سواد كالدخان، و{الفجرة}: واحدهم فاجر، وهو الخارج عن حدود اللّه المنتهك لحرماته. اهـ.. باختصار.

.قال الفراء:

سورة عبس:
{عبس وَتولى أَن جاءه الأَعْمَى}
قوله عز وجل: {عبس وَتولى... أَن جاءه الأَعْمَى...}
ذلك عبد الله بن أم مكتوم وكانت أم مكتوم أم أبيه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نفر من أشراف قريش ليسألوا عن بعض ما ينتفع به، فكرِه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع كلامه؛ فأنزل الله تبارك وتعالى، {عبس وَتولى}، يعنى: محمداً صلى الله عليه وسلم، {أَن جاءه الأَعْمَى}، لأن جاءه الأعمى.
{وَمَا يُدْرِيكَ لعله يَزَّكَّى أَوْ يذكر فتنفعه الذِّكْرَى}
ثم قال جل وعز: {وَمَا يُدْرِيكَ لعله يَزَّكَّى...}.
بما أرد أن يتعلَّمه من عِلْمِك، فعطف النبي صلى الله عليه وسلم على أن ابن أم مكتوم، وأكرمه بعد هذه الآية حتى استخلفه على الصلاة، وقد اجتمع القراء على: {فتنفعه الذِّكْرَى...} بالرفع، ولو كان نصباً على جواب الفاء للعلّ- كان صوابا.
أنشدنى بعضهم:
علَّ صروفَ الدَّهر أو دولاتِها ** يُدلْنَنَا اللَّمَّة من لَمّاتها

فتستريحَ النفس من زفْراتها * وتُنْقعَ الغلَّةُ من غُلاتها
وَقد قرأ بعضهم: {أأن جاءه الأعمى} بهمزتين مفتوحتين، أى: أن جاءه عبس، وهو مثل قوله: {أأنْ كان ذا مالٍ وبَنِينَ}.
{فَأَنتَ لَهُ تصدى}
وقوله عز وجل: {فَأَنتَ لَهُ تصدى...}.
ولو قرأ قارئٌ: {تصدى} كان صوابا.
{كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ}
وقوله عز وجل: {كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ...}.
هذه السورة تذكرة، وإن شئت جعلت الهاء عماداً لتأنيث التذكرة.
{فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ...}.
ذكر القرآن رجع التذكير إلى الوحى.
{فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ...}.
لأنها نزلت من اللوح المحفوظ مرفوعة عند ربك هنا لك مطهرة، لا يمسها إلا المطهرون، وهذا مثل قوله: {فالمدبرات أَمْراً}.
جعل الملائكة والصحف مطهرة؛ لأن الصحف يقع عليها التطهير، فجعل التطهير لمن حملها أيضاً.
{بِأَيْدِي سَفَرَةٍ}
وقوله عز وجل: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ...}.
وهم الملائكة، واحدهم سافر، والعرب تقول: سفرت بين القوم إذا أصلحت بينهم، فجعلت الملائكة إذا نزلت بوحى الله تبارك وتعالى وتأديبه كالسفير الذي يصلح بين القوم، قال الشاعر:
وما أدعُ السِّفارةَ بينَ قومى ** وما أمْشى بغشٍّ إن مَشَيْتُ

والبررة: الواحد منهم في قياس العربية بار؛ لأن العرب لا تقول: فَعَلة يَنْووُنَ به الجمع إلا والواحد منه فاعل مثل: كافر وكفرة، وفاجر فجرة. فهذا الحكم على واحده بار، والذى تقول العرب: رجل بَرّ، وامرأة برة، ثم جمع على تأويل فاعل، كما قالوا: قوم خَيَرَة بَرَرَة. سمعتها من بعض العرب، وواحد الخَيرَة: خيّر، والبررة: برٌّ. ومثله: قوم سَراةٌ، واحدهم: سِرىّ. كان ينبغى أن يكون ساريا. والعرب إذا جمعت: ساريا جمعوه بضم أوله فقالوا: سُراة وغُزاة. فكأنهم إذ قالوا: سُرَاة: كرهوا أن يضموا أوله. فيكون الواحد كأنه سارٍ، فأرادوا أن يفرقوا بفتحة أول سَراةٍ بين: السرىّ والسارى.
{قُتِلَ الإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ}
وقوله عز وجل: {مَآ أَكْفَرَهُ...}.
يكون تعجبا، ويكون: ما الذي أكفره؟ وبهذا الوجه الآخر جاء التفسير، ثم عجّبه، فقال: {مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ...} ثم فسّر فقال: {مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ...} أطورا نطفة، ثم علقة إلى آخر خلقِه، وشقيا أو سعيدا، وذكرا أو أنثى.
{ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} وقوله عز وجل: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ...}.
معناه: ثم يسره للسبيلِ، ومثله: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ}، أى: أعلمناه طريق الخير وطريق الشر.
{ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ}
وقوله عز وجل: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ...}.
جعله مقبورا، ولم يجعله ممن يُلقَى للسباع والطير، ولا ممن يلقى في النواويس، كأن القبر مما أكرم المسلم به، ولم يقل: فقبره؛ لأنّ القابر هو الدافن بيده، والمُقبِر: الله تبارك وتعالى؛ لأنه صيره ذا قبر، وليس فعله كفعل الآمى. والعرب تقول: بترتُ ذنب البعير، والله أبتره. وعضبت قرن الثور، والله أعضبه، وطردت فلانا عنى، والله أطرده صيّره طريدا، ولو قال قائل: فقبره، أو قال في الآدمى: أقبره إذا وجهه لجهته صلح، وكان صوابا؛ ألا ترى أنك تقول: قتل فلان أخاه، فيقول الآخر: الله قتله. والعرب تقول: هذه كلمة مُقتلة مُخيفة إذا كانت من قالها قُتِل قيلت هكذا، ولو قيل فيها: قاتلة خائفة كان صوابا، كما تقول: هذا الداء قاتلك.
{كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ}
وقوله تبارك وتعالى: {كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ...}.
لم يقض بعض ما أمره.
{أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً}
وقوله عز وجل: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً...}.
قرأ الأعمش وعاصم (أنا) يجعلانها في موضع خفض أى: فلينظر إلى صبِّنَا الماء إلى أن صَبَبْنا، وفعلنا وفعلنا. وقرأ أهل الحجاز والحسن البصرى: (إنا) يخبر عن صفة الطعام بالاستئناف، وكلٌّ حسن، وكذلك قوله جل وعز: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقبةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ}، و{إِنا دمرناهم}. وقد يكون موضع (أنا) ها هنا في (عبس) إذا فتحتْ رفعا كأنه استأنف فقال: طعامه، صَبُّنا الماء، وإنباتُنا كذا وكذا.
{فَأَنبَتْنَا فِيهَا حبًّا}، وقوله تبارك وتعالى: {حبًّا...}.
الحب: كل الحبوب: الحنطة والشعير، وما سواهما. والقضب: الرَّطبةُ، وأهل مكة يسمون القتَّ: القضب. والحدائق: كل بستان كان عليه حائط فهو حديقة. وما لم يكن عليه حائط لم يُقَل: حديقة. والغُلْب: ما غلظ من النخل. والأبّ: ما تأكله الأنعام. كذلك قال ابن عباس.
{مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ}
وقوله تبارك وتعالى: {مَّتَاعاً لَّكُمْ...}.
أى: خلقناه متعةً لكم ومنفعة. ولو كان رفعا جاز على ما فسرنا.
{فَإِذَا جَاءَتِ الصَّآخَّةُ}
وقوله عز وجل: {الصَّآخَّةُ...}: القيامة.
{يوم يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ}
وقوله عز وجل: {يوم يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ...}.
يفر من أخيه: من، وعن فيه سواء.
{لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يومئِذٍ شَأْنٌ يغنيه}
وقوله عز وجل: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يومئِذٍ شَأْنٌ يغنيه...}.
أى: يشغله عن قرابته، وقد قرأ بعض القراء: {يعنيه} وهى شاذة.
{وُجُوهٌ يومئِذٍ مُّسْفِرَةٌ}
وقوله تبارك وتعالى: {وُجُوهٌ يومئِذٍ مُّسْفِرَةٌ...}.
مشرقة مضيئة، وإذا ألقت المرأة نقابها، أو برقعها قيل: سفرت فهى سافرٌ، ولا يقال: أسفرت.
{تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ}
وقوله عز وجل: {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ...}.
ويجوز في الكلام: قَتْرة بجزم التاء. ولم يقرأ بها أحدٌ. اهـ.

.قال بيان الحق الغزنوي:

سورة عبس:
{الأعمى} [2] ابن أم مكتوم.
{تصدى} [6] تعرض، وبتشديد الصاد، تتعرض.
{تلهى} [10] تشاغل وتغافل.
{تذكرة} [11] تبصرة، أي: هذه السورة.
{فمن شاء ذكره} [12] أي: القرآن.
{بأيدي سفرة} [15] ملائكة يسفرون بالوحي.
وقيل: كتبة. وقيل: أراد القراء والمفسرين. والجميع من تبيين الشيء وإيضاحه، ومنه: أسفر الصبح، وسفرت المرأة: كشفت نقابها.
{قتل الإنسان} [17] لعن. وقيل: عذب، وهو أمية بن خلف.
{فأقبره} [21] جعل له قبراً يدفن فيه، ولم يجعله جيفة ملقاة. قالت بنو تميم لابن هبيرة، لما قتل صالح بن عبد الرحمن: أقبرنا صالحاً، قال: فدونكموه.
{أنشره} [22] أحياه: أنشره الله فنشر.
قال الأعشى:
لو أسندت ميتاً إلى نحرها ** عاش ولم ينقل إلى قابر

حتى يقول الناس مما رأوا ** يا عجباً للميت الناشر.

{وقضباً} [28] القت، وكل رطب يقضب مرة فينبت ثانيةً.
{غلباً} [30] لاغلاظ الأشجار، ملتفة الأغصان، جمع غلباء. ويقرب أن يكون الغلباء اسم النخلة العظيمة، كما يقال لها: الجبارة والمجنونة. ألا ترى إلى جمع الشاعر بين الأغلب والمجنون:
هر المقادة من لا يستعد لها ** واعصوصب الشر وارتد المساكين

من كل أغلب قد مالت عمامته ** كأنه من حذار الضيم مجنون.

والفاكهة: الثمرة الرطبة. واليابسة منها: الأب، لأنه يعد للشتاء والأسفار. والأب: الاستعداد.
وقال الأعشى:
صرمت ولم أصرمكم وكصارم ** أخ قد طوى كشحاً وأب ليذهبا

{الصاخة} [33] صيحة القيامة، وهي التي تصك الأسماع وتصخها.
{شأن يغنيه} [37] يكفيه ويشغله عن غيره.
{ترهقها قترة} [41] تغشاها ظلمة الدخان.
تمت سورة عبس. اهـ.